فهم اضطرابات الغدة الدرقية وتأثيرها على الخصوبة: تجربة طبيب مختص
قبل عدة سنوات، قابلت مريضة تُدعى “رنا”، كانت تبلغ من العمر 32 عامًا وتعمل كمعلمة. جاءت إلى عيادتي بعد أن عانت من صعوبة في الحمل لمدة تجاوزت العام. كانت صحتها العامة جيدة، وتمارس الرياضة بانتظام، ودوراتها الشهرية منتظمة، لكن كل اختبار حمل كان ينتهي بنتيجة سلبية. كانت تشعر بالإحباط وتبحث عن إجابات. قصتها ذكرتني بمدى تأثير اضطرابات الغدة الدرقية، التي قد تبدو مشكلة منفصلة، على القدرة على الإنجاب.
بعد إجراء مجموعة من الفحوصات، اكتشفنا السبب الرئيسي وراء مشكلة رنا: قصور الغدة الدرقية، وهي حالة تنتج فيها الغدة الدرقية كميات غير كافية من الهرمونات. كان هذا الاكتشاف نقطة تحول في رحلتها، وأكد لي أهمية دور الغدة الدرقية في الصحة الإنجابية. دعوني أشارككم ما تعلمته عن اضطرابات الغدة الدرقية وتأثيرها على الخصوبة.
ما هي اضطرابات الغدة الدرقية؟
الغدة الدرقية هي غدة صغيرة على شكل فراشة تقع في الرقبة. على الرغم من صغر حجمها، إلا أنها تلعب دورًا كبيرًا في تنظيم عملية الأيض، والطاقة، وتوازن الهرمونات. عندما لا تعمل الغدة بشكل صحيح، فإنها قد تعطل العديد من وظائف الجسم، بما في ذلك الجهاز التناسلي.
تشمل اضطرابات الغدة الدرقية الأكثر ارتباطًا بالعقم ما يلي:
- قصور الغدة الدرقية: عندما لا تنتج الغدة ما يكفي من الهرمونات، مما يؤثر على الإباضة، والدورات الشهرية، وحتى انغراس البويضة.
- فرط نشاط الغدة الدرقية: عندما تنتج الغدة الكثير من الهرمونات، مما يؤدي إلى دورات غير منتظمة، وزيادة خطر الإجهاض، أو صعوبة في الحمل.
- التهاب الغدة الدرقية المناعي (هاشيموتو): وهو مرض مناعي ذاتي يهاجم فيه الجهاز المناعي الغدة الدرقية، مما يؤدي غالبًا إلى قصور الغدة الدرقية.
توضح الدكتورة “ليلى الحسن”، وهي متخصصة في الغدد الصماء:
“الغدة الدرقية أشبه بالمنظم الحراري للجسم. عندما تختل وظائفها، يمكن أن يتأثر كل شيء، بما في ذلك الخصوبة.”
كيف تؤثر اضطرابات الغدة الدرقية على الخصوبة؟
العلاقة بين صحة الغدة الدرقية والخصوبة معقدة، ولكنها واضحة. وإليكم بعض الطرق التي قد تؤثر بها اضطرابات الغدة الدرقية على الإنجاب:
- اضطراب الإباضة: الاختلالات الهرمونية الناتجة عن اضطرابات الغدة الدرقية قد تمنع إطلاق بويضة ناضجة، مما يجعل الحمل الطبيعي مستحيلاً.
- دورات غير منتظمة: تؤدي مشاكل الغدة الدرقية غالبًا إلى دورات شهرية غير منتظمة، مما يجعل من الصعب تتبع الإباضة وتوقيت الحمل.
- زيادة خطر الإجهاض: يمكن أن تؤدي اضطرابات الغدة الدرقية، خاصة قصور الغدة، إلى زيادة خطر فقدان الحمل في مراحله المبكرة.
- مشاكل الانغراس: هرمونات الغدة الدرقية ضرورية لتطوير بطانة رحم صحية، مما يساعد على انغراس البويضة واستمرار الحمل.
في حالة رنا، تسبب قصور الغدة الدرقية في اضطراب الإباضة، وهو ما جعل الحمل صعبًا على الرغم من انتظام دورتها الشهرية.
تشخيص اضطرابات الغدة الدرقية
واحدة من التحديات مع اضطرابات الغدة الدرقية هي أن أعراضها غالبًا ما تكون دقيقة أو تُخطأ مع مشكلات أخرى. تشمل الأعراض الشائعة:
- التعب.
- تغيرات غير مبررة في الوزن.
- الحساسية للبرد (في قصور الغدة) أو الحساسية للحرارة (في فرط نشاط الغدة).
- تساقط الشعر أو ضعف الشعر.
- الاكتئاب أو القلق.
للكشف عن اضطرابات الغدة الدرقية، نعتمد على تحاليل الدم لقياس مستويات هرمون TSH (الهرمون المحفز للغدة الدرقية) وهرموني T3 وT4. في حالة رنا، كانت مستويات TSH مرتفعة بشكل كبير، مما يشير إلى قصور الغدة الدرقية. كما أجرينا فحصًا للأجسام المضادة للتحقق من وجود مرض هاشيموتو.
علاج اضطرابات الغدة الدرقية لتحسين الخصوبة
الخبر الجيد هو أن اضطرابات الغدة الدرقية قابلة للعلاج، ومع الإدارة الصحيحة يمكن للعديد من النساء الحمل واستكمال الحمل بنجاح. تختلف خيارات العلاج حسب الحالة:
- قصور الغدة الدرقية: العلاج القياسي هو تناول هرمونات الغدة الدرقية البديلة (ليفوثيروكسين)، الذي يعيد مستويات الهرمونات إلى وضعها الطبيعي. بمجرد استقرار الغدة، غالبًا ما تستأنف الإباضة بشكل طبيعي.
- فرط نشاط الغدة الدرقية: تشمل خيارات العلاج الأدوية المضادة للغدة الدرقية، أو حاصرات بيتا لتخفيف الأعراض، أو الجراحة في الحالات الشديدة.
- تعديلات نمط الحياة: إدارة التوتر، الحفاظ على وزن صحي، وتناول نظام غذائي غني باليود والسيلينيوم يمكن أن يدعم صحة الغدة الدرقية.
يوضح الدكتور “أحمد العلي”، وهو خبير في طب الغدد الصماء التناسلية:
“المفتاح لعلاج العقم المرتبط بالغدة الدرقية هو التشخيص المبكر والمتابعة المستمرة. الغدة الدرقية المتوازنة هي أساس النجاح الإنجابي.”
التأثير النفسي لاضطرابات الغدة الدرقية والعقم
ما تعلمته من مرضاي مثل رنا هو أن اضطرابات الغدة الدرقية لا تؤثر فقط على الجسم، بل على النفسية أيضًا. يمكن أن يؤدي عدم اليقين المرتبط بهذه الحالة، إلى جانب صعوبات الخصوبة، إلى القلق والإحباط.
أخبرتني رنا ذات مرة:
“كنت أشعر وكأن جسدي يخونني، ولم أستطع فهم السبب. كان من المريح جدًا أن أجد الإجابة والخطة المناسبة.”
كلماتها تؤكد أهمية الوضوح والدعم العاطفي أثناء العلاج.
قصة نجاح رنا
بعد بدء العلاج بهرمونات الغدة الدرقية البديلة، عادت مستويات هرمونات رنا إلى وضعها الطبيعي خلال ثلاثة أشهر. راقبنا دوراتها الشهرية عن كثب وأوصينا بتوقيت الجماع بشكل مناسب. بعد ستة أشهر، تلقيت مكالمة منها تحمل الخبر السعيد: لقد أصبحت حاملاً.
رؤية رنا تحتضن طفلها الأول بعد عام كان لحظة لا تُنسى، ودليلًا على قوة التشخيص الدقيق والعلاج المخصص، وصمود جسم الإنسان.
أفكاري الأخيرة
بصفتي طبيبًا مختصًا في الخصوبة، رأيت كيف يمكن أن تعرقل اضطرابات الغدة الدرقية حلم الأمومة. ولكن مع التشخيص الصحيح والعلاج المناسب، تكون فرص النجاح كبيرة. سواء كان الأمر يتعلق بإدارة قصور الغدة الدرقية، علاج فرط نشاطها، أو التعامل مع الحالات المناعية المرتبطة بها، هناك دائمًا أمل.
إذا كنتِ تعانين من العقم وتشكين في وجود مشكلة بالغدة الدرقية، لا تنتظري. قومي بالفحوصات اللازمة، واحصلي على الدعم المناسب، وابدئي أولى خطواتك نحو تحقيق حلم الأمومة. قد تكون الرحلة مليئة بالتحديات، لكن النتيجة تستحق كل جهد.