فهم فرط برولاكتين الدم وتأثيره على الخصوبة: تجربة طبيب مختص
قبل عدة سنوات، التقيت بمريضة تُدعى “أمل”، كانت تبلغ من العمر 28 عامًا وتعمل في مجال التسويق. حاولت أمل الإنجاب لأكثر من عام، وكانت تشعر بالإحباط بسبب عدم نجاح محاولاتها. أخبرتني أن دوراتها الشهرية غير منتظمة، وكانت تشعر أحيانًا بألم في الثدي وإفرازات غير مبررة، لكنها لم تعر ذلك اهتمامًا كبيرًا حتى واجهت صعوبة في تحقيق حلمها بالأمومة. عندما زارت عيادتي، كنت أشك في وجود اختلال هرموني قد يكون السبب.
بعد إجراء الفحوصات اللازمة، اكتشفنا أن أمل تعاني من فرط برولاكتين الدم، وهي حالة تتميز بارتفاع مستويات هرمون البرولاكتين الذي تفرزه الغدة النخامية. كان هذا الاكتشاف نقطة تحول في رحلتها، وتذكيرًا لي بمدى أهمية توازن البرولاكتين للصحة الإنجابية.
ما هو فرط برولاكتين الدم؟
فرط برولاكتين الدم هو حالة تنتج فيها الغدة النخامية كميات زائدة من هرمون البرولاكتين. في حين أن البرولاكتين ضروري أثناء فترة الرضاعة الطبيعية، إلا أن ارتفاع مستوياته خارج فترات الحمل والرضاعة يمكن أن يسبب اضطرابًا في التوازن الهرموني بالجسم. يؤثر البرولاكتين بشكل مباشر على المحور الهرموني الذي ينظم دورات الحيض والإباضة.
توضح الدكتورة “نادية الحسن”، وهي متخصصة في الغدد الصماء:
“البرولاكتين أشبه بمفتاح التحكم في الهرمونات التناسلية. عندما يكون مستواه مرتفعًا، فإنه يضعف الإشارات التي يحتاجها الجسم للإباضة.”
على الرغم من أن فرط برولاكتين الدم قد لا يُلاحظ بسهولة، إلا أنه من الأسباب الرئيسية للعقم الناتج عن اختلال الإباضة.
كيف يؤدي فرط برولاكتين الدم إلى العقم؟
يسبب ارتفاع مستويات البرولاكتين سلسلة من التغيرات الهرمونية التي تؤثر على الخصوبة:
- اضطراب الإباضة: يمنع البرولاكتين الزائد إفراز هرمونات مهمة مثل GnRH، مما يؤدي إلى توقف أو اضطراب الإباضة.
- ضعف المرحلة الأصفرية: حتى إذا حدثت الإباضة، قد يؤثر ارتفاع البرولاكتين على جودة المرحلة الأصفرية، مما يقلل من فرصة انغراس الجنين.
- انخفاض مستويات الإستروجين: يؤدي فرط برولاكتين الدم إلى قمع إنتاج الإستروجين، مما قد يسبب جفاف المهبل وترقق بطانة الرحم.
كشفت تحاليل الدم لأمل أن مستويات البرولاكتين لديها أعلى بثلاثة أضعاف من المعدل الطبيعي، مما يفسر اضطراب دوراتها الشهرية وصعوبة الحمل.
أسباب فرط برولاكتين الدم
خلال مسيرتي المهنية، وجدت أن هناك العديد من الأسباب التي تؤدي إلى فرط برولاكتين الدم:
- أورام الغدة النخامية (البرولاكتينومات): أورام حميدة في الغدة النخامية تُعتبر من الأسباب الأكثر شيوعًا.
- الأدوية: بعض الأدوية، مثل مضادات الاكتئاب ومضادات الذهان، يمكن أن تزيد من إفراز البرولاكتين.
- قصور الغدة الدرقية: يمكن أن يسبب انخفاض نشاط الغدة الدرقية زيادة في إفراز البرولاكتين.
- التوتر: التوتر المزمن قد لا يكون سببًا مباشرًا، لكنه يمكن أن يفاقم الحالة عن طريق اضطراب التوازن الهرموني.
بالنسبة لأمل، كشفت صور الرنين المغناطيسي عن وجود ورم صغير في الغدة النخامية (برولاكتينوما)، وهو ما كان السبب الرئيسي في حالتها.
تشخيص فرط برولاكتين الدم
يبدأ تشخيص فرط برولاكتين الدم بتحليل الدم لقياس مستويات البرولاكتين. إذا كانت المستويات مرتفعة، يتم إجراء فحوصات إضافية تشمل:
- اختبارات الغدة الدرقية: لاستبعاد قصور الغدة الدرقية كسبب محتمل.
- التصوير بالرنين المغناطيسي: للكشف عن وجود ورم في الغدة النخامية.
- مراجعة الأدوية: للتحقق من أن الأدوية المستخدمة لا تسهم في المشكلة.
أظهرت الفحوصات أن مستويات البرولاكتين لدى أمل كانت مرتفعة جدًا، مما استدعى إجراء التصوير بالرنين المغناطيسي الذي أكد وجود ورم صغير.
خيارات علاج فرط برولاكتين الدم
الخبر السار هو أن فرط برولاكتين الدم يمكن علاجه بسهولة. تشمل الخيارات العلاجية:
- الأدوية: تُعد مناهضات الدوبامين، مثل بروموكريبتين وكابيرجولين، العلاج الأساسي. تعمل هذه الأدوية على تقليل مستويات البرولاكتين عن طريق تعزيز نشاط الدوبامين.
- الجراحة: في الحالات التي لا تستجيب فيها الأدوية، يمكن اللجوء إلى الجراحة لإزالة الورم.
- إدارة الحالات الأساسية: معالجة قصور الغدة الدرقية أو تعديل الأدوية قد يكون كافيًا في بعض الحالات.
يؤكد الدكتور “أحمد القاضي”، وهو مختص في الغدد الصماء:
“مناهضات الدوبامين فعالة للغاية، ليس فقط في تقليل مستويات البرولاكتين، ولكن أيضًا في استعادة الإباضة لدى العديد من المريضات.”
بدأت أمل بتناول عقار كابيرجولين، والذي نجح في تقليل مستويات البرولاكتين لديها إلى النطاق الطبيعي في غضون شهرين.
الأثر النفسي لفرط برولاكتين الدم
يشعر العديد من المرضى بأن العقم الناتج عن فرط برولاكتين الدم يمثل معركة خفية. أخبرتني أمل:
“كنت أشعر وكأنني أفعل كل شيء بشكل صحيح، من اتباع نظام غذائي صحي إلى ممارسة الرياضة، ومع ذلك لم أستطع الحمل. اكتشاف السبب كان مزيجًا من الصدمة والراحة.”
هذا ما يجعل الدعم النفسي جزءًا مهمًا من العلاج. يمكن أن تساعد الاستشارات النفسية ومجموعات الدعم المريضات في التعامل مع المشاعر المصاحبة لهذه الحالة.
رحلة أمل نحو الأمومة
بعد ثلاثة أشهر من بدء العلاج، استقرت مستويات البرولاكتين لدى أمل وأصبحت دوراتها الشهرية منتظمة. بعد ستة أشهر، اتصلت بي لتخبرني بالخبر السعيد: لقد أصبحت حاملاً. رؤية أمل وهي تحتضن طفلها الأول بعد عام كانت واحدة من أكثر اللحظات التي شعرت فيها بالرضا خلال مسيرتي المهنية.
أفكاري الأخيرة
فرط برولاكتين الدم هو سبب شائع للعقم، ولكنه غالبًا ما يتم تجاهله. مع التشخيص المبكر والعلاج المناسب، يمكن للعديد من النساء التغلب عليه وتحقيق حلم الأمومة.
إذا كنتِ تعانين من العقم وتشكين في وجود خلل هرموني، فلا تترددي في طلب المساعدة. تحليل دم بسيط قد يكون المفتاح لتحقيق حلمك بالأمومة. تذكري، لستِ وحدك، وهناك دائمًا أمل.